صفة الحداثة والتحديث والتقدم التكنولوجي صفة تغادر العقل الغربي إلى الشرق أيضا، فيما يتعلق بتغير المناخ العالمي، ورغم أن التحديث الغربي والاستهلاك الكبير للطاقة قد كان حكرا على الدول الأوروبية خلال ثلاثة قرون، وبعد ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار القطيعة مع الماضي وتشكيل نخبة رأسمالية جديدة.
فإن الصين وهي تشكل نسبة كبيرة جدًا في ظاهرة تغير المناخ العالمي والتي تهدد الحياة على الكوكب، تنضم رغم نظامها السياسي المختلف عن الغرب إلى التحديث المعاصر المساهم في تغير المناخ العالمي.
وهو في عالم لا نحتاج للتذكير بأنه قرية واحدة يعد أمرًا يسير بالقوى الاقتصادية الكبرى نحو مسار بعيد عن التنمية بمعناها الشامل. لأنه نموذج اقتصادي عالمي جديد يشارك فيه الغرب والشرق معا في استخدام فكرة التنمية لصالح فكرة مكاسب النخب الرأسمالية الخالصة.
مما يختزل المبادرات المثالية والأفعال التطوعية ذات القيم الثقافية والانسانية إلى حدها الأدنى.
بينما يسعى العالم إلى مزيد من الاستهلاك ومزيد من إنتاج الآلات والماكينات المحسنة لجودة الحياة، والمضادة للمناخ العالمي واستقراره.
مقال لافت للانتباه هو عن تغير المناخ في إفريقيا كتبه د. محمود محيي الدين الثلاثاء 14 يونيو 2022، في جريدة الشرق الأوسط.
وفيه يشير إلى أن القارة الإفريقية لا تنتج بأكملها أكثر من ثلاثة في المائة من الطاقة المؤدية لتغير المناخ، وإحداث ذلك التغير المناخي، رغم أنها المكان الأكثر تضررا من التغير المناخي، روسيا وحدها تشارك في أزمة المناخ بنسبة 4%، وتصل هذه النسبة في الهند إلى 7%، والولايات المتحدة تنتج نحو 14%، أما الصين فالنسبة فيها هي الأعلى عالميا عند 30%.
ما يجعلنا نعيد تأمل مسألة تغير المناخ بمنظور يضعها في سياق سيطرة النخب الرأسمالية المعاصرة الجديدة على الكرة الأرضية، دون اهتمام جاد بأن ذلك يهدد فكرة بقاء الإنسان على هذا الكوكب، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وما يصاحبه من موجات تصحر وندرة في المياه، وعدم قدرة الكائن الحي العاقل الذي أكرمه الله على هذه الأرض بالبقاء حيا متمتعا بقدرة على العيش والعمل والبقاء بشكل طبيعي.
جدير بالذكر أن القارة السمراء لم تتمتع بهذا العالم الجديد الذي ساهم في تهديدها بارتفاع درجة الحرارة إلى ما يقارب المعدلات الخطرة على الحياة واستمرارها، بل هؤلاء الذين تمتعوا منذ الثورة الصناعية الأولى هم سكان العالم الغربي، ومؤخرا الشرق الصيني والروسي، حيث تمتع هؤلاء بسفر أسرع ومدن أكبر وخدمات أفضل في مجال توصيل المياه والطاقة، وغذاء أوفر وأكثر تنوعا.
ما أدى إلى ظهور تلك الجماهير الغفيرة المستهلكة للأشياء، والمتكاثرة للغاية شديدة الإرتباط بالرغبة العارمة في إنتاج وتوزيع وبيع السلع المتعددة.
إنها الحرب الرأسمالية المعاصرة بعيدا عن الرؤى والمذاهب والقوميات والصراعات السياسية والعسكرية والدينية والثقافية، هي التي فككت كل القيود أمام التوسع الاقتصادي اللامحدد المؤدي إلى تهديد البيئة حول العالم بلا حدود.
إن التهديدات المشتركة التي يعيشها الإنسان المعاصر بعد الأوبئة والحروب هي تهديدات التغير المناخي.
وإذا كان من الممكن التعايش مع وباء مثل كوفيد 19، أو الحرب الروسية الأوكرانية.
فمن الواضح أنه لا يمكن الاستمرار في التعايش مع اقتصاد انتاج الكربون دون التزام جاد، من الحكومات والشركات متعددة الجنسيات في الدخول نحو الاقتصاد الأخضر.
جديد بالذكر أن التهديدات تطال الجميع إلا أن المدهش هو أن المناطق الأكثر تهديدا هي إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وهي الأقل إنتاجا لذلك الاقتصاد الكربوني المهدد للبيئة، والأقل استخدامًا للطاقة والسيارات وغيرها من مصادر إنتاج الكربون المتعددة.
لا شك أن مسألة المناخ وتغيره مسألة تبدو للكثيرين مسألة غامضة بل ويراها البعض شأنا بعيدًا عن مصادر الاهتمام والتهديدات الملحة.
إلا أن الأداء الدبلوماسي رفيع المستوى للاقتصادي المصري- ممثلا في د. محمود محيي الدين ممثل الرئاسة المصرية في الميثاق العالمي للمناخ- لهو تعبير عن إرادة مصرية تؤمن بأهمية دور مصر الحضارة الرائد والتاريخي والمعاصر في تبني القضايا المهمة ذات الطابع الإنساني المشترك.
وهو أمر لا يمكن تركه بعيدا عن الثقافة المصرية والإبداع الفني المصري والعربي.
فهل يمكن دعم حديث المناخ مع إدماجه في معالجة ثقافية تخاطب العالم كله.
أذكر رسالة توفيق الحكيم العظيمة لليونسكو عندما كان ممثلا لمصر هناك المعنونة بالطعام لكل فم، والتي حولها إلى عمل مسرحي رائع يناقش فيه ضرورة إدماج الرؤية الإنسانية في تجديد القيم التاريخية بنفس الاسم الطعام لكل فم.
ما أحوجنا إلى كاتب كبير بحجم توفيق الحكيم يدرك أنه كونه يعبر عن المصريين، فهو معبر عن تاريخ رائد مبكر من الحضارة الإنسانية، علم البشر عدم الاعتداء على الطبيعة فالمصري القديم كان يقسم أنه لم يلوث ماء النهر حتى يعبر بوابة الأبدية.
وما أحوج الإنسان المعاصر للضغط على النخبة الرأسمالية القوية، عبر استخدام الثقافة والفنون والقوة الناعمة لتذكير هؤلاء بأنهم يسعون نحو دمار المناخ العالمي وهو أمر يصعب التعايش معه.
ربما نجد قريبا مبادرة ثقافية مصرية ذات طابع إبداعي تذكر العالم كله، بأن الحفاظ على المناخ والتوجه نحو الاقتصاد الأخضر ضرورة مشتركة للتعايش الإنساني، يجب أخذها مأخذ الجد، وعدم تجاهل الاستجابة لها، حتى يبقى لمواثيق الأمم المتحدة دور مؤثر يمنحها صفة الحياة ويجدد حضورها وحتى يدرك أصحاب رؤوس الأموال الكبرى حول العالم، أنه ليس بالنقود فقط يعيش الإنسان.



